الإيمان الحق معناه الطاعة والاستسلام لأمر الله تبارك وتعالى والالتزام بآوامره ونواهيه، والتفاعل الإيجابي في تنفيذ الأحكام الشرعية حبًا وطاعًة والتزامًا وتنفيذًا لأمره خالق الأكوان جل جلاله وعم نواله.
والمؤمنون حقًا من السادة الأنبياء الكرام والمرسلين العظام والصديقين الأعلام حققوا هذا المعنى في قلوبهم وأفكارهم ونفوسهم وصدقوا بأفعالهم وأعمالهم فقالوا بكل يقين وصدق مبين وفي جميع أحوالهم إياك نعبد وإياك نستعين ) ، وإبليس عندما جاءه الأمر الإلهي بالسجود لسيدنا آدم عليه الصلاة والسلام كان نظره مقتصراً على السجود لسيدنا آدم فقط، ولم يلتفت للقضية الأهم وهي قضية أكبر من سيدنا آدم عليه السلام ومن السجود له، إنها قضية (أمر الله تبارك وتعالى ) القائل في محكم كتابه الكريمقَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ). فعصى وكان من الخاسرين الملعونيين إلى يوم الدين.
ومرت عقود، وظهر خريج آخر من هذه المدرسة النفسية المريضة التابعة لأهواء النفس الأمارة بالسوء، إنه ابن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام فقد نظر إلى الطوفان نظرة سطحية ساذجة، وتعامل معه كأنه قضية إعصار في مناخ صعب أو ارتفاع للماء في حالة الفيضان فحسب فقال : ( قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) ،نعم العصمة والنجاة في نظره هي فقط من الماء، وكان نظر والده النبي الكريم عليه السلام أعمق وأبلغ لأنه ينظر بنور الله، إذ بين له أن القضية أكبر من مجرد ماء غامر بل هي قضية (أمر إلهي يجب طاعته والاستسلام له روحًا وقلبا وجسدا)، إنه أمر تجسد بعد المعصية بالإغراق قهراً:قَالَ ( لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) ولم ينتظر الموج انتهاء الحوار بل جاء النص القرآني صريحا بقوله سبحانه وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين).
للأسف الشديد في عالمنا المعاصر وفي درب الحياة، ما تزال تلك المدرسة النفسية المريضة المتعجرفة يؤمها ويتخرج منها الكثيرون ممن غرسوا في نفوسهم شوكة العصيان والتمرد فصارت أعمالهم صورا جوفاء، لا تحظى برضا الله تعالى ولا قبوله ومن هذه الصور المؤلمة:
• الصلاة مجرد حركات خالية من الاستقرار والخشوع.
• والحجاب الشرعي مجرد غطاء للرأس تنفر منه الفطرة السليمة وتأباه أحكام الشريعة.
• والحج مجرد طقوس سياحية.
• وصيام شهر رمضان المبارك حمية وريجيم جيد.
ونسوا أن القضية العظمى أكبر من ذلك، إنها : قضية ( أمر ممن خلق ) قضية امتحان وابتلاء واختبار وتفاعل روحي وخشوع بين يدي الخالق عز وجل، إنها قضية عبودية خالصة صادقة لله تبارك وتعالى .
وحتى لا تتلوث أيها المسلم المحسن بظلال تلك المدرسة الخطيرة.
انظر أولاً إلى الآمر سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك انظر إلى الأمر المتعلق بأفعال المكلفين من عباده جل وعلا.
الأمر هو اختبار من الخالق الكريم سبحانه ، اختبار بالتسليم والتصديق والالتزام فكن من الطائعين المخلصين.
والخالق عز وجل لا يأمر خلقه إلا بما ينفعهم، وبما هو خير لهم وهو العليم الحكيم.
اللهم ارزقنا طيبًا واستعملنا صالحًا توفنا مسلمًا والحقنا بعبادك الصالحين، ارزقنا عملا بارًا وعيشًا قارًا، ورزقًا دارًا ، ومرافقة عبادك العارفين، وطاعتك ومحبتك يا رب العالمين.