مركز المفكر للدراسات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مركز علمي متخصص بالدراسات وبكافة المجالات العلمية يضم نخبة من العلماء والكفاءات والمفكرين


    نظام الميراث قبل الاسلام ---- د نعمان بن ثابت ال الشيخ حسون

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 134
    تاريخ التسجيل : 21/04/2020
    العمر : 50

    نظام الميراث قبل الاسلام ---- د نعمان بن ثابت ال الشيخ حسون Empty نظام الميراث قبل الاسلام ---- د نعمان بن ثابت ال الشيخ حسون

    مُساهمة من طرف Admin الأحد يونيو 14, 2020 8:10 pm

    كان الميراث معروفًا قبل الإسلام في الشرائع الوضعية والأديان السماوية، فقد عَرَفه اليونان والرومان، وكان يُعْطَى لِمَنْ يصلح لرعاية الأسرة وللحروب، وكان للمورِّث أن يختار قبل موْته من يقوم مقامه في هذه المهمة، سواء أكان من أبنائه أم من أقاربه أم من الأجانب، وقُبيل ظهور الإسلام أشركوا المرأة مع الرجل على التساوي في الميراث، والأمم الشرقية كان الميراث فيها لأرشد الذكور من الأولاد، ثم الإخوة ثم الأعمام، وليس للمرأة نصيبٌ فيه، والمصريون القدماء كانوا يورِّثونها على التساوي مع الرجل، واليهود كانوا يخصون الولد الذَّكَر بالميراث ويحرمون الأنثى، وإن تعدد الأولاد الذكور وَرِثَ أكبرهم فقط.
    جاء في سِفر التكوين “إصحاح 21: 15ـ18(” أن الابن البِكْر له نصيبُ اثنين ، فإن لم يكن هناك ذَكَر فالميراث لابن ابنه، وليس لبنته شيءٌ، ويبدو أن ذلك نُسِخَ)، ففي سِفر العدد “إصحاح 27:1-11”(أن بنات صلحفاد بن حافر طالبن موسى والعازار والكاهن أن يكون لهنَّ نصيبٌ في مُلْك أبيهن، فقدَّم موسى دعواهنَّ أمام الرَّبِّ، وانتهى الأمر إلى إعطائهن من الميراث).
    والعرب في الجاهلية كانوا يُورِّثون الذكور فقط، فعندما تُوفي أوْس بن ثابت، وترك امرأته أم كجة وثلاث بنات ـ وفي رواية بنتين ـ وأخاه، قام رجلان هما ابنا عمه، ووصيَّان ـ قتادة وعرفجة ، أو قتادة وعرفطة ـ فأخذا المال وحدهما ، فشكت الأم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسجد الفضيخ، فقالا: أولادها لا يركبن فرسًا، ولا يحملن كَلًّا، ولا يُنكين عدواً، فنزلت الآية: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)( ) وقيل: نزلت في بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت.
    اما نظام الإرث في الجاهلية فكان كما يلي:
    1. كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان، ويقولون: لا يُعطى إلا من لاقى الحروب، وقاتل العدو، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة، فنزل قوله تعالى: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾( ) رداً عليهم، وإبطالاً لقولهم وتصرفهم بجهلهم، فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم، والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحِكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطئوا في آرائهم وتصرفاتهم( ) ، وهذا الأمر لم يكنْ في الإسلام شَرْعًا مَسْكُوتًا عنه، مُقَرًّا عَلَيْه، لأنه لو كان شرعًا مُقَرًّا عليه، لَمَا حَكَمَ النبي صلى الله عليه وسلم على عَمِّ ابنتي سعد بن الربيع، بِرَدِّ ما أَخَذَ من مالهما( )، لأَنَّ الأحكام إذا مضتْ، وجاء النسخ بعدها، إنما تُؤثر في المستقبل, وَلا يُنْقَض به ما تقدم, وإنما كانتْ ظُلامَةٌ وقعتْ( ).
    2. كان التبني معمولاً به في الجاهلية، يتوارثون به ويتناصرون، فكان الرجل إذا أعجبه من الرجل جَلَده، وظرْفه، ضمه إلى نفسه، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه، وكان يُنسب إليه فيقال: فلان بن فلان، وعمل بالتبني في ابتداء الإسلام، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾( ) ( ) فنُسِخ بهذه الآية حكم التبني، ومُنِع من إطلاق لفظه( ).
    3. كان الرجل في الجاهلية إذا رغب في خلة الآخر عاقده، فيقول له: دمي دمك، وهَدْمي هَدْمك، وسلْمي سلْمك، وحربي حربك، ترثني وأرثك، وتنصرني وأنصرك، وتعقل عني وأعقل عنك. وربما زيد في ذلك: وثأري ثأرك، وتطلب بي وأطلب بك( )، ويوافقه على ذلك. فإذا صدر بينهما ذلك، سُمِّي كل منهما: حليفًا وعقيدًا ومواليًا وعديلاً، وورث كل منهما صاحبه( ) وذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره: أنهم توارثوا في ابتداء الإسلام بهذا الحلف، بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾( ) أي: والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة، أنتم وهم، فآتوهم نصيبهم من الميراث، كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة، ثم نسخ بعد ذلك، وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا، ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة( ).وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ إِلا شِدَّةً)( )، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ:﴿وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ، فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَنَسَخَ ذَلِكَ الأَنْفَالُ فَقَالَ تَعَالَى:﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾( ) ،واختار ابن جرير رحمه الله: أن الآية محكمة، وأن المراد بقوله:﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ أي: من النصرة، والنصيحة، والمعونة، لا أنَّ المراد: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ من الميراث حتى تكون الآية منسوخة. قال ابن كثير رحمه الله( ): وهذا الذي قاله فيه نظر، فإن من الحلف ما كان على النصرة والمعونة، ومنه ما كان على الإرث، كما حكاه غير واحد من السلف.
    4. مما توارث به المسلمون في ابتداء الإسلام: الهجرة، وذلك بقوله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ﴾( ) فتوارث المسلمون بالهجرة، فكان لا يرث من آمن ولم يهجر، من قريبه المهاجر، ويرث المهاجرين والأنصار بعضهم بعضا، كل منهم أحق بالآخر من كل أحد، ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كل اثنين أخوان، فكانوا يتوارثون بذلك إرثاً مقدماً على القرابة، وظاهر ما صَوَّر به بعضهم المسألة من قوله: "فكان المهاجر إذا ترك أخوين، أحدهما مهاجر، والآخر غير مهاجر، كان إرثه للمهاجر فقط". ظاهره: اشتراط القرابة بينهما. لكن ظاهر إطلاق بعضهم: أنه لا يشترط أن يكون بينهما قرابة، وهو أقرب إلى ظاهر الآية الكريمة. فتوارث المسلمون بالهجرة، حتى نسخ الله تعالى التوارث بها بقوله: ﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾( )أي: القرابات أولى بالتوريث في حكم الله من المهاجرين والأنصار. فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من التوريث بالحلف والمؤاخاة والهجرة. وقيل: ليس هنا نسخ، وإنما معناه النصرة والنصيحة والمعونة( )،وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه:﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ قَالَ: وَرَثَةً. ﴿وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ:﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ نَسَخَتْ. ثُمَّ قَالَ:﴿وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ إِلا النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ وَالنَّصِيحَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ، وَيُوصِي لَهُ( ) ، قال ابن حجر رحمه الله( ): قال ابن بَطَّال رحمه الله: أكثر المفسرين عَلَى أَنَّ الناسخ لقوله تعالى:﴿وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قوله تعالى:﴿ وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾( ) وبذلك جزم أبو عُبَيْد فِي النَّاسِخ والمنسوخ( ).

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 3:20 pm