نعيش هذه الايام مع نفحات ايام المغفرة خلال شهر رمضان المبارك ، وفي هذه الايام ذكرى عزيزة على قلوب المسلمين الاوهي ذكرى معركة بدر الكبرى التي نصر الله بها اهل الحق بالرغم من قلة عددهم على ملة الكفر والفساد والطغيان بالرغم من كثرت عددهم.
فلو تمعنا في بعض العبر التي جرت خلال المعركة لقذفت في القلوب الهمم والعزيمة من جديد بأن فرج الله قريب على امة الاسلام ، لذا سنقف بعض الوقفات لنتأمل اسباب نصر الله للثلة المؤمنة في بدر على اعداءهم من الجبابرة الطغاة.
خرج المسلمون لطلب قافلة ابا سفيان المحملة بالبضائع لتعويض ما استحوذ عليه جبابرة مكة في حينها من املاك واموال للصحابة رضوان الله عليهم التي كانت موجودة في مكة ، حيث تركوها وهاجروا بدونها ، ففي طريق ذهابهم لاعتراض قافلة ابي سفيان سمعوا بأن قريش قد اعدت جيشا وسارت لقتالهم ،فوقف النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا بهم فقال لهم مخيرهم بين ثلاثة امور:
اولها: هو الاستمرار بالمسير نحو قافلة ابا سفيان والاستحواذ على ما فيها من اموال وبضائع فيكون الصحابة قد اصبحوا من اهل الاموال بلا قتال او اذية للنفس .
ثانيا: ان يعودوا الى المدينة فينالوا السلامة على انفسهم وحياتهم ، وكما يقول البعض اليوم (المهم سلامتي).
ثالثا: ان يغيروا وجهتهم لملاقاة جيش الكفر والدخول بحرب معهم بمعنى ملاقاة الموت او الجرح او العوق .
وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو، وكان للمقداد بن الأسود رضي الله عنه موقفٌ متميزٌ، فقد قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عُدلَ به ،أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) المائدة: 24 ، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك. فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرَّه وفي رواية: قال المقداد: يا رسول الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ولكن امضِ ونحن معك، فكأنه سرَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبعد ذلك عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أشيروا عليَّ أيها الناس)، وكان إنما يقصد الأنصار؛ لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة، وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فنهض قائلاً: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أجل). قال: (لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله) . سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن معاذ، ونشطه ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: (سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم).
فكان اختيار الصحابة رضي الله عنه اختيارا اخرويا فيه مرضاة الله رغم صعوبة الاختيار ، فتركوا شهوة حب الحصول على الاموال، وتركوا سلامتهم واستمرارهم بالحياة ،واختاروا ان يموتوا من اجل نصرة الدين ، فاستحقوا بشارة النبي صلى الله عليه وسلم(لن يدخل النار رجل شهد بدرا أو الحديبية )رواه احمد,بل اكثر من ذلك ما روى الامام البخاري إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له(ما تعدون أهل بدر فيكم .قالمن أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال جبريل وكذلك من شهد بدرا من الملائكة)، فاصبح لأهل بدر خصوصيتهم سواء من الصحابة رضي الله عنهم او من الملائكة .
وعندما وصلوا الى بدر حيث يبلغ عدد الصحابة رضوان الله عليهم 313 صحابي فقط مع قلة العدة من سيوف ورماح وسهام وخيول ، واذا بالمشركين يقبلون بثلاثة الاف مقاتل بكامل عدتهم وعددهم في موقف ادخل الخوف في بادئ الامر على قلوب الصحابة رضي الله عنهم فبدأوا يستغيثون ربهم فاجابهم الله وارسل جنود السماء اول ذلك ما وصفه الله بقوله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)سورة الانفال) فكان الامر الاول ان يستعد الف من الملائكة لإسناد الصحابة في معركتهم ،ولكن الصحابة لا يعلمون بهذا الامر الرباني ولا زالت قلوبهم فيها الخوف فكان لابد من ازالة ذلك الخوف فنزل جندي اخر من جنود الله الا وهو(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)سورة الانفال) ، في هذه الاثناء بشر النبي الصحابة رضي الله عنه بمصارع القوم ويخبرهم بأماكن مصرع كل جبار من جبابرة قريش ، فزادت الطمأنينة اكثر في قلوب الصحابة رضي الله عنهم ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم خيمته يصلي ويدعو ويبكي ويقول(اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً) حتى سقطت عباءته الشريفة من كتفه وابا بكر يعيدها على كتفه ويقول (لن يخزك الله ابدا ) عند ذلك صدر الامر الرباني(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) سورة ال عمران) واذا بقوة ربانية تملئ قلوب الصحابة بالهمة والعزيمة والثبات ليصدر امرا ربانيا اخر بزيادة عدد الملائكة التي تقاتل في بدر (بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) سورة ال عمران) وقوله تعالى( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) سورة الانفال) لتكون النتيجة (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) سورة ال عمران) ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) سورة الانفال ).
فالإنسان اذا اختار امور اخرته على دنياه فأن الله ييسر له اسباب التأييد والنصر والفرج ، ولكن لابد من توفر الصبر والثبات على الحق ، وكذلك لابد من ينصر الانسان الاوامر الربانية على شهوات نفسه ، لكي ينصره الله على اعداءه فمن النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.