السؤال: لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الامر وذلك بقراءة القران على شكل توزيع الاجزاء ؟
الجواب: عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لشيء لا يستلزم عدم جوازه، فقد قرر علماء الأصول أن الترك منه صلى الله عليه وسلم يرد من جهة المنع للشيء المتروك، وذكروا من أنواعه الترك خوف الافتراض، والترك لما لا حرج في فعله.
فالترك لا يفيد حكمًا شرعيًا بمفرده، وهذا محل اتفاق بين المسلمين، وهناك من الشواهد والآثار على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا من تركه صلى الله عليه وسلم التحريم ولا حتى الكراهة، وذلك ما فهمه الفقهاء عبر العصور. وقد رد ابن حزم رحمه الله على احتجاج المالكية والحنفية على كراهة صلاة الركعتين قبل المغرب بسبب أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا لا يصلونها، حيث قال ما نصه : «وهذا لا شيء; أول ذلك أنه منقطع; لأن إبراهيم لم يدرك أحدًا ممن ذكرناه, ولا ولد إلا بعد قتل عثمان بسنين, ثم لو صح لما كانت فيه حجة; لأنه ليس فيه أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما, ولا أنهم كرهوهما, ونحن لا نخالفهم في أن ترك جميع التطوع مباح»( )، فلم يتوقف كثيرًا ابن حزم رحمه الله أمام ترك الصحابة لصلاة الركعتين، وقال أن تركهم تلك الصلاة لا شيء، طالما أنهم لم يصرحوا بكراهتها، ولم ينقلوا ذلك.
وهذا مسلكه مع ترك الصحابة رضي الله عنهم لعبادة، وكان ذلك عين موقفه من ترك النبي صلي الله عليه وسلم لعبادة أصلها مشروع حيث قال في الكلام على ركعتين بعد العصر : «وأما حديث علي بن أبي طالب فلا حجة فيه أصلا; لأنه ليس فيه إلا إخباره رضي الله عنه بما علم; من أنه لم ير رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاهما, وهو الصادق في قوله, وليس في هذا نهي عنهما, ولا كراهة لهما; [وما] صام عليه السلام قط شهرًا كاملًا غير رمضان; وليس هذا بموجب كراهية صوم [شهر كامل تطوعا]»( )، فلقد فهم من ترك النبي صلي الله عليه وسلم صيام شهر كامل غير رمضان، لا يدل على حرمة ولا كراهة صيام شهر كامل غير رمضان، حتى وإن كان النبي صلي الله عليه وسلم لم يفعله.
وقد ثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم ترك الخطبة على المنبر، وخطب على الجذع، ولم يفهم الصحابة أن الخطابة على المنبر بدعة ولا حرام، فقاموا بصنع منبر، له صلى الله عليه وسلم)( )، وما كانوا لهم أن يقدموا على فعل حرمه النبي صلي الله عليه وسلم، فعلم أنهم كانوا لا يرون الترك بدعة.
وقد ترك النبي صلي الله عليه وسلم في الصـلاة بعد رفع الرأس من الركوع : «ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا ... إلى آخر الحديث، ولم يفهم الصحابي أن مجرد تركه للدعاء في الصلاة يوجب الحظر، وإلا كيف يقدم على شيء وهو يعتقد حرمته، ولم يعاتبه النبي صلي الله عليه وسلم على المسلك فلم يقل له مثلا: «أحسنت ولا تعد» أو نهاه عن إنشاء أدعية أخرى في الصلاة، وكما نعلم فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والحديث رواه رفاعـة بن رافع الزرقي، قال : كنا يوما نصلى وراء النبي صلي الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعـة قال : « سمع الله لمن حمده ». قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمـد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال : «من المتكلم». قال : أنا. قال «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول »( ).
ولم يفهم سيدنا بلال رضي الله عنه من ترك النبي صلي الله عليه وسلم لصلاة ركعتين بعد الوضوء عدم جواز ذلك، بل قام بذلك، ولم يخبر النبي صلي الله عليه وسلم، وإنما لما سأله النبي صلي الله عليه وسلم قائلًا : « يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» . قال : ما عملت عملاً أرجى عندي، أنى لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلى» قال أبو عبد الله : دف نعليك يعنى تحريك»( ).
فنحن نعلم أن الصلاة بعد الوضوء سارت سنة بعد إقرار النبي صلي الله عليه وسلم لها، ولكن نستدل بفهم الصحابة بجواز إنشاء أدعية وصلوات في أوقات تركها النبي صلي الله عليه وسلم، ونستدل كذلك بعدم إنكار النبي صلي الله عليه وسلم على هذا المسلك والأسلوب، وعدم نهيهم عنه في المستقبل، فمما سبق نعلم أن مطلق الترك من النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة، وحتى القرون الثلاثة الخيرية، لا يفيد شيئًا، لا تحريم ولا كراهة ولا غيرهما، وهذا ما فهمه أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم في حياته، ولم ينكر عليهم صلي الله عليه وسلم فهمهم، وفهمه العلماء من بعدهم، نسأل الله أن يفهمنا ديننا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم).وأما صفة الختمة الجماعية فمشمولة بحديث فضل الاجتماع على كتاب الله.