ان من انواع الغيرة التي يمتلكها الانسان السوي هي الغيرة على الاخ في الله ،فالدفاع عن الاخ في الله له كرامة ومنزلة عظيمة في الاسلام، كما ورد عن الحبيب صلى الله عليه وسلم ،فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يعتقه من النار} ورواه الترمذي عن أبي الدرداء بلفظ {من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة} ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ بلفظ{من ذب عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}( )،وكم نحن اليوم بحاجة الى هذا النوع من الغيرة لأننا نسمع ونرى وبشكل يومي كيف تأكل الغيبة والنميمة والبهتان بإخواننا بالمجالس وغيرها، ولا نستطيع الدفاع عنهم لأسباب واهية، فهناك من يخاف، وهناك من يدعي الخجل وغيرها من الاسباب، ولكن في حقيقتها قلة الغيرة والفهم الصحيح لمعنى الاخوة.
فالأخ الذي تأكل معه وتشرب او تسافر او زارك او زرته وغيرها من الامور الاجتماعية كان حقه عليك ان تدافع عنه بظهر الغيب، الا اذا وجد شهود او بينة عند ذلك ممكن ان يكون الكلام بحضوره لا بغيابه، وروى عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه التوبيخ والتنبيه عن أنس رضي الله عنه مرفوعا{من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو يستطيع نصره أدركه إثمه في الدنيا والآخرة } ورواه الأصبهاني بلفظ{من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصرته فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة وإن لم ينصره أذله الله في الدنيا والآخرة}،وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة).
ان الفهم العالي لتعاليم ديننا الحنيف والتفقه فيه يدعونا الى الدفاع عن كل من يحمل كلمة(لا اله الا الله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم وذلك لعظمة ومكانة هذه الكلمة فقد قال صلى الله عليه وسلم
ومن قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه)( ) ،فمثلما لكلمة التوحيد فضل وقدر وقيمة فأن لحاملها كذلك قيمة وقدر شرعها الاسلام ووضع اسسها الحبيب صلى الله عليه وسلم فعن حصين عن أبي ظبيان قال(سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنه يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش إلى الحرقات (حي من جهينة) ،فلما يعني هزمناهم ابتدرت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فقال لا إله إلا الله فكف عنه الانصاري وظننت أنه إنما قالها تعوذا فقتلته فرجع الانصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أسامة قتلت رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله كيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة فما زال يقول ذلك حتى وددت إني لم أكن أسلمت إلا يومئذ إذا قالوا صبأنا ولم يقولوا أسلمنا)( )، فلم يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقتل رجل بسبب انه نطق بها ولا يعلم ان كان صادقا بمضمونها عاملا بها اولا، المهم انه نطقها فنحن قوم امرنا بظاهر الامور والله يتولى سرائر العباد، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)( ) ،والشاهد في هذا الحديث لا يظلمه ولا يسلمه) أي أن المسلم يدافع عن أخيه المسلم ولا يسلمه لمن يريد به مكروها أواعتداء قال ابن حجر عليه رحمة الله القادر على تخليص المظلوم توجب عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه فإذا دافع عنه لا يقصد قتل الظالم وإنما يقصد دفعه فلو أتى الدفع على الظالم كان دمه هدرا وحينئذ لا فرق بين دفعه عن نفسه أو عن غيره.