ان الامة المحمدية هي خير الامم فقد فضلها الله عزوجل على سائر الأمم واختصها بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها وإنما نالت من ذلك ما نالته باتباعها لرسولها محمد صلى الله عليه وسلم وحسبنا شهادة الله في كتابهكُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ)( ) وقال صلى الله عليه وسلم في هذه الآيةإنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)رواه الترمذي وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد كان قبلي) وفيه (وجعلت أمتي خير الأمم)( ) وهذه الأمة المحمدية العظيمة التي حازت شهادة الخيرية جعل الله لها جملة من الخصائص امتازت بها على غيرها من الأمم فمنها:
1. حل الغنائم: فقد كانت الأمم قبلنا على ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم غنائم ومنهم من أذن له في الجهاد فكانوا يغزون ويجاهدون ويأخذون أموال أعدائهم ولكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها وعلامة قبول غزوهم أن تنزل نار من السماء فتأكلها وعلامة عدم القبول ألا تنزل وقد من الله على هذه الأمة ورحمها لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنائم(فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلاً طَيّباً)( ) وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي)وذكر منها(وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي)( ).
2. من خصائص الأمة المحمدية أن جعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فلم يجد ماء ولا مسجدا فعنده طهوره ومسجده فيتيمم ويصلي بخلاف الأمم من قبلنا فإن الصلاة أبيحت لهم في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ عام غزوة تبوك ـ قام يصلي فاجتمع وراءه رجال يحرسونه حتى إذا صلى انصرف إليهم وقال(أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي)وفيهوجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظِّمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم) ( ).
3. من خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله وضع عنها الأغلال والأثقال والآصار التي كانت على الأمم قبلها فأحل لها كثيراً مما حرم على غيرها ولم يجعل عليها في أحكامها عنتاً وشدة كما قال اللههُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ)سورة الحج فكانت شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل الشرائع وأيسرها وأسهلها حتى قال عليه الصلاة والسلامإني أرسلت بحنيفية سمحة)( ) وفي الحديث الذي رواه الامام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلموأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا من حرج)
4. كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض فلا يطهر إلا بذلك ونحن نكتفي بغسله(رواه الامام أحمد).
5. كان اليهود إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيت[أي لم يجلسوا وإياها تحت سقف واحد]ونحن أحل لنا الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج ونجالسها ونأكل معها (رواه مسلم).
6. كان في بني إسرائيل القصاص في القتلى ولم تكن فيهم الدية فخفف الله عنا بتشريع الدية فذلك قوله تعالىفَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْء فَٱتِبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَـٰنٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مّن رَّبّكُمْ وَرَحْمَةٌ)( ).
7. كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح مكتوباً على بابه ذنبه وكفارة ذلك الذنب(أثر عن ابن مسعود رواه ابن جرير).
8. كان صوم من قبلنا من الأمم إمساك عن الكلام مع الطعام والشراب فكانوا في حرج ورخص الله لنا بحذف الإمساك عن الكلام(قال ابن العربي وأورد ابن كثير أثراً عن مالك بمعناه).
9. من خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله هداها ليوم الجمعة سيد الأيام وخير يوم طلعت فيه الشمس عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولنحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوت والكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد)( ).
10. من خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله تجاوز عنها الخطأ والنسيان وحديث النفس ما لم تعمل أو تتكلم روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قولهإن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أ ويعملوا به)( ).
11. من خصائص هذه الأمة المحمدية أنها محفوظة من الهلاك والاستئصال فلا تهلك بالسنين ولا بجوع ولا بغرق ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستبيح بيضتها ويستأصلها فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمإن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض (أي كسرى وفارس) وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامـة (أي قحط) وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضا)( ).
12. من خصائص هذه الأمة المحمدية أنها لا تجتمع على ضلالة فهي معصومة من الخطأ عند اجتماعها على أمر كما أنها لا تخل ومن وجود طائفة قائمة بالحق في كل زمان لا يضرها من خالفها عن كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمإن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة) وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلملا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)( ).
13. من خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله قبل شهادتها وجعل أهلها شهداءه في أرضه فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن جنازة مرت فأثني عليه خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت وجبت) ثم مرت أخرى فأثني عليها شراً فقال النبي صلى الله عليه وسلموجبت وجبت) فلما سأله عمر رضي الله عنه عن ذلك قالمن أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض)( ).
14. من خصائص هذه الأمة المحمدية أن صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة ولم يكن هذا لأمة قبلها فقد جاء في الحديث الذي رواه حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـالفضلنا على الناس بثلاث)وذكر منهاجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة)( ).
15. أن الأمة المحمدية تأتي يوم القيامة غراء محجلة من آثار الوضوء وبهذه الصفة يعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته من غيرهم عندما يكون منتظرهم على الحوض فقد سال الحبيب صلى الله عليه وسلم: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: (إنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء)( ).
16. من خصائص الأمة المحمدية أنها تشهد لكل نبي أنكر قومه أنه قد بلغ تشهد له بأداء الرسالة وتبليغها فيقبل الله شهادتها روى أبوسعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قاليجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك وأقل فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم ؟ فيقولون: لا فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فتدعى أمة محمد فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه قال: فذلك قوله تعالىوَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(سورة البقرة)( ).
17. من خصائص الامة أنها أول من يجتاز الصراط، وأول من يدخل الجنة وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم(فأكون أنا وأمتي أول من يجيزـ يعني الصـراط ـ)( ) وفي الحديث الآخر عند البخاري يقول عليه الصلاة والسلامنحن أول من يدخل الجنة).
18. من خصائصها أنها أقل عملا من الأمم قبلها وأكثر ثواباً وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذي يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا لكم الأجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت)رواه البخاري قال ابن حجر رحمه الله: (فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته).
19. من خصائص هذه الأمة المحمدية أنها أكثر أهل الجنة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟)) قال: فكبرنا ثم قال: ((أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟)) قال: فكبرنا ثم قالإني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة)( ).