قال تعالىيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)( )، ،فالمرابطة في سبيل الله يعني الحراسة في الثغور، لزوم الثغور التي في أطراف البلاد يقال لها رباط، إذا قام في الثغور في أطراف البلاد لحمايتها من العدو وصد العدو لو أقدم، هذا هو الرباط وهو نوع من الجهاد في سبيل الله عزوجل، عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُرِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيرٌ مِنْ صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وَإنْ ماتَ فيهِ جَرَى عَلَيْهِ عمَلُهُ الَّذي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزقُهُ، وأمِنَ الفَتَّانَ)( ) ،وعَنْ فضَالةَ بن عُبيد رضي الله عنه، أَنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَكُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَملِهِ إلاَّ المُرابِطَ فِي سَبيلِ اللَّهِ، فَإنَّهُ يُنَمَّي لهُ عَمَلُهُ إِلَى يوْمِ القِيامَةِ، ويُؤمَّنُ من فِتْنةِ القَبرِ)( ) ،وَعنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُرباطُ يَوْمٍ فِي سبيلِ اللَّه خَيْرٌ مِنْ ألْفِ يَوْمٍ فِيمَا سواهُ مِنَ المَنازلِ)( ).
شُرع الجهاد لحماية مصالح المسلمين وكذلك الرباط في سبيل الله كان لحفظ ثغور المسلمين، وقد تعدّدت ثغور المسلمين في العصر الحاضر، لذلك كان من الضروريّ البحث عن الثغور التي يمكن أن يخترقها العدو والعمل على تحصينها، حيث ان الرباط ليس محصورا بحمل السلاح فقط بل بكل ما فيه مصلحة للمجتمع منها :
1.الثغور الفكريّة والإعلاميّة: تعاني الامة اليوم من هجمات فكرية شاذة ومتطرفة يقودها اعداء الاسلام والامة، والهدف منها تهديم النسيج المجتمعي بتسميم افكار الشباب، وقيادتهم لتبني افكار غربية ليس لها علاقة بالإسلام والعروبة وعلى راس من يقود هذه الحملة بعض القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، لذا فأن المرابطة للتصدي لهذه الافكار وتصحيحها هو رباط في سبيل الله.
2.الحدود البريّة والبحريّة والجويّة: ان المرابطة على حماية حدود البلاد من الاعداء هو رباط في سبيل الله وهذا الامر معلوم لدى الجميع وهو سبب بعض آيات الجهاد في القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة الواردة اعلاه، قال محمد بن الفضيل بن عياض رحمهم الله: (رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: أي العلم أفضل، قال: الأمر الذي كنت فيه، قلت: الرباط والجهاد، قال: نعم، قلت: فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة، وكان رحمه الله يحج عامًا، ويجاهد عامًا، ويتاجر عامًا)( ).
3.الثغور الصحيّة: ان الصحة من المنظور الإسلامي هي ضرورة إنسانية، وحاجة أساسية لكلّ شخص، فهي ليست أمراً مُترفاً أو حاجة كمالية، حيث لا يتوقف مفهوم الصحة في الإسلام بالحفاظ على باطن الإنسان وعقيدته من الأمراض والأمور المشبوهة، بل يشمل مفهوم الصحة المحافظة على سلامة الإنسان من الأمراض، وأسبابها، والوقاية منها، ومن أجل ذلك وضع الإسلام القواعد العامة لدحر الضرر عن صحة الإنسان والحفاظ على حياته، تُعتبر الصحة إحدى النعم التي أنعمها الله تعالى على عباده، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)( )، حيث أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أنّ الصحة والفراغ من أجلّ وأعظم نعم الله على عباده، فالصحة تُساعد الإنسان على أداء كافّة أعماله، ولكن رغم نعمة الصحة إلّا أنّ الكثير لا ينتبهون إلى هذه النعمة إلّا عند المرض، فالكيّس من انتهز صحته، وسخّرها بما هو مفيد ونافع في دنياه وآخرته، لذا فأن الاشخاص الذين يعملون من اجل المحافظة على صحة الناس هم في رباط في سبيل الله .
4.الثغور الأمنيّة: في ظلال الأمان تستقر الحياة، ويأمن الناس على دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، الأمن أساس ازدهار الحضارات، وتقدم الأمم ورقي المجتمعات، والأمن من أهم الضرورات الإنسانية، وأكبر المقاصد الشرعية، والإسلام في عظمته وسموه، يحفظ الأمن لجميع الناس، مسلمين وغير مسلمين، يقول تعالى:﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾( ) ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دينهم وأموالهم)( )،وحرام في دين الإسلام أن يروع المسلم غيره بأي وسيلة كانت، جداً أو هزلاً، ففي الحديث: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)( )،ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح منح أهلها الأمان، إذ خاطبهم فقال: (ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن)( ) ، بل حفظ الإسلام الأمن حتى للحيوان البهيم، ففي الحديث: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)( )، ويذكر المؤرخون أن حمامة باضت في فسطاط عمرو بن العاص رضي الله عنه والي مصر آنذاك، فلما عزم على الرحيل، أمر عماله أن يخلعوا الفسطاط، فلفت أنظارهم عش حمامة فيه بيض لم يفرخ بعد، فلم يزعجوا الحمامة، وعرضوا الأمر على عمرو فقال: " لا تزعجوا طائراً نزل بجوارنا، وحل آمناً في رحالنا، أجّلوا العمل حتى تفرخ وتطير).
من هذا المفهوم اصبح الرباط في الاماكن للمحافظة على امن المجتمع هو رباط في سبيل الله.