مقولة قالها فاروق الاسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتكون شعارا للعدل بين الرعية ، حيث يروى انه جيء لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة بخبز مفتوت بسمن فدعا رجلًا بدويًّا ليأكل معه، فجعل البدوي يتبع باللقمة الودك في جانب الصفحة، فقال له عمر رضي الله عنه: كأنك مقفر من الودك، فقال البدوي: أجل، ما أكلت سمنًا ولا زيتًا، ولا رأيت أكلًا له منذ كذا وكذا إلى اليوم، فحلف عمر رضي الله عنه لا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يحيا الناس، ولقد أجمع الرواة جميعًا أن عمر رضي الله عنه كان صارمًا في الوفاء بهذا القسم، ومن ذلك، أنه لما قدمت إلى السوق عكة سمن ورطب من لبن، فاشتراهما غلام لعمر بأربعين درهمًا ثم أتى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين قد أبر الله يمينك وعظم أجرك، وقدم السوق رطب من لبن وعكة من سمن ابتعتهما بأربعين درهمًا، فقال عمر رضي الله عنه: أغليت فتصدق بهما، فإني أكره أن آكل إسرافًا، ثم أردف قائلًا: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم، فهذه جملة واحدة في كلمات مضيئة، يوضح فيها الفاروق رضي الله عنه مبدأ من أروع المبادئ الكبرى التي يمكن أن تعرفها الإنسانية في فن الحكمكيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم)، وقد تأثر سيدنا عمر رضي الله عنه في عام الرمادة حتى تغير لونه فعن عياض بن خليفة رضي الله عنه قال: رأيت عمر عام الرمادة وهو أسود اللون، ولقد كان رجلًا عربيًّا يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس حرمهما، فأكل الزيت حتى غير لونه وجاع فأكثر، وعن أسلم رضي الله عنه قال: كنا نقول(لو لم يرفع الله تعالى المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت همًّا بأمر المسلمين)، وكان يصوم الدهر، فكان عام الرمادة، إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد بالزيت إلى أن نحر يومًا من الأيام جزورًا، فأطعمها الناس، وعرفوا له طيبها، فأتي به، فإذا قدر من سنام ومن كبد، فقال: أنى هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم، قال: (بخ بخ بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها)، ارفع هذه الصحفة هات لنا غير هذا الطعام، فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك بالزيت، ثم قال: ويحك يا يرفأ، احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ -اسم مكان- فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام وأحسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم، هذا هو الفاروق وهذا هو فن الحكم في الإسلام يؤثر الرعية على نفسه، فيأكلون خيرًا مما يأكل، وهو الذي يحمل من أعباء الحكم والحياة أضعاف ما يحملون، ويعاني من ذلك أضعاف ما يعانون، وهو في ذلك لا يضع القيود على نفسه وحدها، بل يسير بها ليقيد أفراد أسرته، فهم أيضًا يجب أن يعانوا أكثر مما يعاني الناس، وقد نظر ذات يوم في عام الرمادة فرأى بطيخة في يد ولد من أولاده, فقال له على الفور: بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمة محمد هَزْلى؟ فخرج الصبي هاربًا يبكي، ولم يسكت عمر رضي الله عنه إلا بعد أن سأل عن ذلك وعلم أن ابنه اشتراها بكف من نوى، لقد كان إحساسه بمسؤولية الحكم أمام الله يملك عليه شعاب نفسه.
ومن اولى معسكرات اللاجئين كانت في عهد عمر رضي الله عنه، فعن أسلم رضي الله عنه قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر رضي الله عنه قد أمر رجالًا يقومون بمعالجتهم، فسمعته يقول ليلة: أحصوا من يتعشى عندنا، فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأجمعوا الرجال المرضى والعيال فكانوا أربعين ألفًا، ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفًا فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر رضي الله عنه قد وكل بهم من يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتًا وحملانًا إلى باديتهم، وكان قد وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر رضي الله عنه تقوم إليها العمال من السحر، ونرى الفاروق رضي الله عنه يقسم وظائف العمل على العاملين، وينشئ مؤسسة اللاجئين بحيث يكون كل موظف عالمًا بالعمل الذي كلفه به دون تقصير فيه، ولا يتجاوز إلى عمل آخر مسند إلى غيره، فقد عيّن أمراء على نواحي المدينة لتفقد أحوال الناس الذين اجتمعوا حولها طلبًا للرزق لشدة ما أصابهم من القحط والجوع، فكانوا يشرفون على تقسيم الطعام والإدام على الناس وإذا أمسوا اجتمعوا عنده فيخبرونه بكل ما كانوا فيه، وهو يوجههم، وكان عمر رضي الله عنه يُطْعم الأعراب من دار الدقيق وهي من المؤسسات الاقتصادية التي كانت أيام عمر رضي الله عنه توزع على الوافدين على المدينة الدقيق والسويق، والتمر، والزبيب من مخزون الدار قبل أن يأتي المدد من مصر والشام والعراق، وقد توسعت دار الدقيق لتصبح قادرة على إطعام عشرات الألاف الذين وفدوا على المدينة مدة تسعة أشهر، قبل أن يحيا الناس بالمطر.
بهذه السمات الايمانية الانسانية استطعنا ان ننشر الفضيلة والخير في ربوع الارض ،ولا يمكن ان تزدهر الارض الا بهذه الاخلاق (فهل من معتبر).