بسم الله الرحمن الرحيم (ولقدْ خلقنا الإنسانَ ونَعلمُ ما تُوسوسُ بهِ نفسُهُ ونحنُ أقربُ اليهِ منْ حَبلِ الوَريدِ ) سورة ق عندما خلق الله سبحانه وتعالى أبونا آدم عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام من طين من حمأ مسنون ونفخ فيه من روحه فدبت في ذلك الجسد الحياة ولكنه لا يمتلك الشعور والاحساس بالغرائز فأودع فيه النفس وهي التي تولد وتموت وتنتابها الغرائز كالجوع والفرح والحزن والغضب وغيرها وهي التي تمرض وتتعذب وتتألم فأداة النفس هو الجسد الذي تتحكم به وتسيطر عليه، فهي ذلك الشيء الخفي غير القابل للظهور والإعلان والذي به تحيا الكائنات والمخلوقات بمختلف الأنواع ومنها الإنسان والتي بسحبها منها تموت وتفنى، والنفس موجودة في جميع المخلوقات وهي التي تمثل المادية والوجود الموضوعي للمخلوقات وهي التي تتألم وتأكل وتشرب وتفكر وترتاح وتنام وتمرض وتموت وبذلك يكون الانسان مكون من ثلاث أشياء وهي الجسد والروح والنفس , فبهذه الأشياء الثلاثة مجتمعة يتكوّن انسان يتحرك ويتعايش مع غيره من ابناء البشر، فالجسد هو ذلك القالب (الشكل) المخلوق من طين وكما ورد في القرآن الكريم (ولقدْ خلقنا الإنسانَ مِنْ صَلصالٍ مِنْ حَمَـإٍ مَسنونٍ ) سورة الحجر وكذلك وردت في مواضع أخرى من القرآن الكريم , واما الُّروح فقد قال فيها الحق جل في علاه في محكم التنزيل (وَيسألونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبي وَمَا أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إلّا قَليلاً )سورة الإسراء واما النفس والتي هي موضوعنا فقد وردت في قوله تعالى ( وَنَفسٍ وَمَا سَوّاهَا * فَألهَمَهَا فُجورَهَا وَتَقواهَا )سورة الشمس وكذلك في مواضع أخرى من القرآن الكريم , والنفس مسؤولة عن جميع الغرائز الإنسانية ومنها العدل والظلم والصدق وكل الصفات والنعوت التي تلازم النفس البشرية كما في قوله تعالى (يُخادِعونَ اللهَ ومَا يَخدَعونَ اِلّا انفُسهُم ومَا يَشعُرونَ )سورة البقرة, فترى كيف وردت صفة الخداع مقترنة بالنفس البشرية وبقية الصفات والتي لا تنفك عنها الا حين ينام الإنسان او يموت ( اللهُ يَتوفى الأنفُسَ حِينَ مَوتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِهَا فَيُمسِكُ التي قَضَى عَليها المَوتَ وَيُرسِلُ الأُخرى إلى أجَلٍ مُسَمّىً إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَومٍ يَتفَكَّرونَ ) سورة الزُمر فنلاحظ إن الانسان حين ينام فإنه لم يعد يشعر او يحس بما كان يشعر به قبل أن يخلد للنوم فتراه حين يستيقظ قد يكون بحال غير ما كان عليه قبل النوم , وتنوعت تقسيمات النفس وأنواعها بين الفلاسفة والمذاهب الفكرية والفلسفية والأديان ومنها تقسيم القرآن الكريم للنفس إلى ثلاثة أنواع وهي النفس المطمئنة والنفس اللوَّامة والنفس الأمارة بالسوء فالنفسُ المطمئنة هي النفس التي رضِيتْ بقضاء الله وقدره وكل ما يلحق بها من مصائب فهي دائمة الشكر لله على كل شيء فلا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول عن تلك الصفة وهي الرضا بقضاء الله وتتبدل الى الإجرام والخيانة على الرغم من ثقل وهول ما ألمَّ بها وهي النفس التي يحبها الله تعالى وهي التي تنال القبول بين الناس ويرتاح الجميع إليها ولا يمكن اكتسابها بسهولة بل تحتاج إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول إليها وذلك عن طريق تفعيل سر الله الذي وضعه في الإنسان وهي الروح ،أما النفس اللوّامة فهي النفس التي لا تمل عن مداومة حساب صاحبها على ما فعله من مصائب وجرائم وغيرها ، فتستطيع إرشاد صاحبها إلى الطريق القويم بعد ضلاله وبعده عنه ،أما النفس الأمَّارة بالسوء فهي النفس الرديئـة التي لا تهتم بكل ما هو أخلاقي أو منهي عنه وهي التي توقع صاحبها في الرذائل والمصائب والبعد عن الله عز وجل وترتبط النفس بالسلبيات والمفاهيم الرديئة فهي ميالة دائماً لإشباع غرائزها ولكن الإنسان صاحب الإرادة هو الذي يتحكم بها ويسيطر عليها فترقى هذه النفس وتتهذب ويصبح الإنسان قادراً على أداء الوظيفة التي خلق لأجلها فالنفوس الراضية بقضاء الله والتسليم له هي التي أثارة الأرض وعمرتها ونثرت بذور حسن الخلق بين الخلائق فحصدت محبة الله سبحانه ومحبة العباد وأخذت على عاتقها اصلاح كل ما من شأنه يعكر صفو الحياة ونقاء نفوس العباد وأخذوا من محبة الفقراء صفة لهم وترفَّعوا عن الكِبر والغرور وحرصوا على ان يخلصوا لله دينهم الحق فشملتهم رحمة الله ومحبته فخصهم بأن تقضى حوائج العباد على ايديهم وفازوا بالقبول من الحق جل في علاه ومن عباده على وجه المعمورة وسقوا أولادهم كأس ماء المكرمات من الأخلاق المحمدية العلية كما نشؤا وترعرعوا هم عليها وأوصوا ابناءهم أن لا يتركوها بعد مماتهم وأن يستمروا على نهج آبائهم في التعامل مع بقية أبناء جلدتهم من ذرية آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فتقوى علاقتهم مع باقي المخلوقات وينتشر الحب وفعل الخير بين الناس وتحقق غاية الله في خلقه وتعمر الأرض أما النفوس المريضة فهي التي تدمّر البشرية وتعيث الخراب في الأرض فقطعاً لم تكن نفوس الظالمين والمتجبرين والمتكبرين والطامعين والحاقدين والذين أنزلوا أشد أنواع الويلات والنكبات في الخلق وعلى اختلاف حقب التاريخ البشري ، لم تكن هذه النفوس نفوساً سوية ، بل على العكس تماماً كانت نفوساً نتنة مريضة عفنة أحاقت الويلات في جميع مخلوقات الله فانظر أخي يراعاك الله أي النفوس ستختار ان تكون نفسك واحرص أن لا يكون للشيطان على نفسك سبيلا وكن للرحمن عبدا منيبا مخبتا شكورا واحرص على زرع هذه البذرة في نفوس ذريتك ليكونوا خير خلف لخير سلف فالإصلاح من صفة أهل الخير واعلم ان فاقد الشيء لا يعطيه وتذكر انك ستفارق هذه المحطة الدنيوية ولا ينفعك الا ولد صالح يدعو لك وكما أخبرنا النبي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال(اذا مات الإنسان انقطع عنه عمله الاّ من ثلاثة : إلا من صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) أو كما قال عليه الصلاة والسلام واشغل نفسك بإصلاح عيوبها ولا تهملها فتشط عن طريق الحق ،فكما تعوِّد نفسك فإنها تعتاد فإذا رغبتَها رغبت وإذا رددتها الى القليل قنعت جعلنا الله وإياكم ممن أُلهِمَ تقوى نفسه وفاز وأفلح وليس ممن تَبِع فجور نفسه فحصل على الخيبة والخسران .